كان يفترض أن تسقط كوباني. فعند هجوم داعش علي البلدة، حاصرتها القوات التركية من الشمال، مانعة عنها أي تعزيزات ومعتقلة مئات النازحين. وقد قصفت الطائرات الأمريكية قوات داعش في أماكن أخري، لتقودهم نحو روج آفا: المنطقة الكردية الكبيرة في شمالي سوريا والتي تحكمها ذاتيا الحركة من أجل مجتمع ديمقراطي (تيف-ديم،) والتي يرأسها سياسا حزب الاتحاد الديمقراطي، وتدافع عنها وحدات حماية الشعب ووحدات حماية النساء. وقد أقر كيري بعد شهر من بدء المعركة أن الدفاع عن كوباني مازال ليس أولوية استراتيجية أمريكية، رغم الضغط المتزايد من أجل إنزال جوي.
لكن كوباني لم تسقط. علي خلاف الجيش العراقي بالدبابات والعربات الهمفي الخاصة به، ظلت قوات حرب العصابات الخاصة بوحدات حماية الشعب ووحدات حماية النساء خفيفة التسليح صامدة. ويؤكد الناشط الكردي ديلر ديريك ذلك قائلا: “كان سكان كوباني أقل تسليحا جدا. لكن رغبتهم في القتال أبقتهم صامدين. فهم يحاربون من أجل مستقبل مختلف بالأساس.”
لماذا كانت الولايات المتحدة سعيدة لرؤية داعش تسحق روج آفا؟ فالجغرافيا السياسية التي يتحكم النفط بها تؤثر بشدة علي العنف الشديد في سوريا. يتجاوز ذلك حدود تهريبالوقود المكرر بطريقة بدائية من دير الزور التي تتحكم بها داعش إلي داخل تركيا. فلمدة عقود، سمح استعمار الطاقة بقمع الحركات الديمقراطية.
استعمار الطاقة
يتم إخضاع حقول نفطية كبيرة أو طرق تصدير محتملة تؤدي إلي كردستان – منتشرة بين العراق، إيران، تركيا وسوريا – لعنف مكثف. فلأكثر من قرن، هدفت قرارات السياسة الخارجية التي يتم اتخاذها في واشنطن، لندن وباريس إلي التحكم في احتياطيات النفط في المنطقة والحفاظ علي أرباح الشركات. تم رسم الحدود، تم دعم المستبدين وتدفقت الأسلحة. تم استخدام الحركات الكردية بشكل انتهازي وتم تشجيعهم علي التمرد – فقط ليتم تركهم وقتلهم بمجرد تحقق الأهداف قصيرة المدي.
اتبعت حرب عام ٢٠٠٣ علي العراق وعقوبات التسعينيات نموذجا أكثر قدما: حيث نمت القوي الديمقراطية والعمالة المنظمة، وسحقتهم الحكومتين البريطانية والأمريكية والشركات والنخبة المحلية. فعندما احتل عمال نفط في العراق محطة ضخ لخط أنابيب عام ١٩٤٨، حاصرتهم الشركة بالأسلحة الرشاشة والسيارات المصفحة، لتضورهم جوعا. وفي العام التالي، رفض البرلمان السوري التصديق علي بناء خط أنابيب “ترانس-أرابيان.” فجعلت شركات النفط وكالة الاستخبارات المركزية تنظم إضرابا وأكملت الحكومة العسكرية الجديدة الاتفاق مباشرة.
فخطوط أنابيب اليوم هي نتيجة حروب وصراعات سياسية، بنية تحتية مكلفة، تهجير جماعي، وضغط مكثف من الشركات. حيث تم رؤية المجتمعات الكردية كتهديد، وتم إخضاعهم لذوبان ثقافي، هجرة إجبارية وحملات أمنية وحشية. ويقطع خطي أنابيب كركوك – جيهان الضخمين المتماثلين والذين يوصلان من العراق إلي البحر المتوسط طريقهما عبر الجبال الكردية، حاملين ١.٦ مليون برميل من النفط يوميا. وجلب بناءهما الآلاف من القوات التركية علي طول طريقهما وداخل القري المجاورة.
تتركز إحتياطيات النفط في سوريا وتركيا – رغم أنها ليست ضخمة – بشدة في المناطق الكردية. فيوجد ٦٠% من النفط السوري داخل وحول روج آفا، بينما يأتي ٩٩% من الخام المستخلص في تركيا من الجنوب الشرقي. وقد بدأت شركة “شل” مؤخرا في التنقيب عن الغاز الصخري حول ديار بكر. وهو ما يمثل مزيدا من الأسباب لرفض الحكومتين التركية والسورية لأي حكم ذاتي كردي.
شرعت الحكومة الإقليمية الكردية (القومية المحافظة) بالعراق في الاستفادة من مصادرها النفطية لتحقيق الاستقلالية الهامة، بشكل كبير عبر جعل ذاتها حليف لمصالح الطاقة الغربية والسلطة التحررية الجديدة. وفي المقابل، تهدف الحركات الكردية في تركيا وسوريا إلي تحرر اجتماعي أكبر.
من يمكنه تصفية استعمار الطاقة؟
يستطيع الحكم الذاتي الكردي في تركيا وسوريا أن يهدد مصالح الغرب النفطية، خصوصا مع وجود الأطراف المستوحاة من عبد الله أوجلان والشقيقة لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي والذين يتبنيان “مجتمع ديمقراطي، إيكولوجي، متحررا جنسانيا.” وحزب الاتحاد الديمقراطي هو القوة المحركة في روج آفا، حيث شهدت المجالس الشعبية “ازدهار ثقافة ديمقراطية تعزز المشاركة الشعبية، التحرر الاجتماعي، المساواة بين الجنسين، الحساسية البيئية، التنظيم الذاتي المحلي، والتعددية الدينية.”
خلقت سياسة روج آفا التداولية رؤية لمجتمع بيئي غير خاضع للتحررية الجديدة. ويتسم اقتصادها السياسي بالانتاج المجتمعي والتعاونيات كبيرة الحجم. فقد تم تحويل ممتلكات نظام الأسد إلي تعاونيات يديرها العمال. وبالتالي فإن روج آفا محررة ستكون أقل إنفتاحا للاستكشاف من أجل مصالح أجنبية، مثلما فعلت “جلف-ساندز،” شركة النفط المتهربة من العقوبات والتي حفرت بحثا عن نفط خام في روج آفا.
حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي هما القوتين السياسيتين الأكثر تنظيما وديمقراطية في المنطقة، ولديهما أفضل فرصة للبدء في نشر الديمقراطية وتصفية استعمار الطاقة. وستكون ديمقراطية الطاقة في الشرق الأوسط قابلة للتحول عالميا. حيث تستخدم النخب الغربية التحكم في النفط خارج بلادهم لإضعاف القوي الديمقراطية في البلاد، والمتاجرة بالخوف حول “أمن الطاقة” وإضعاف قوة عمال الطاقة.
نحن نحتاج روج آفا
ذلك سبب إضافي لكون الولايات المتحدة وتركيا مسترخيتين فيما يتعلق بمعركة داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي. لا تريد أي قوة نخبوية ثورة تقدمية وديمقراطية تستطيع أن تبدأ في تحويل طاقتنا المستقبلية. لا الولايات المتحدة أو روسيا، تركيا أو إيران، الإسرائيليون أو السعودية.
عبر تأخير ضربات جوية مؤثرة علي مواقع داعش حول كوباني، ضمنت الولايات المتحدة اعتماد حزب الاتحاد الديمقراطي علي الدعم الغربي. وتحتاج وحدات حماية الشعب أسلحة ثقيلة – فقد بدأت الإنزالات الجوية ويحتمل أن يحدث المزيد منها. وتتفوق الولايات المتحدة في استخدام “المعونة” لتغيير حركة السياسات ولفرض التبعية. وتأتي الأسلحة مع قيود ومستشارين عسكريين أمريكيين لسحبها. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردي لديهما جذور فكرية عميقة ونأمل أنهم لن يمرروا ذلك.
أيا ما كانت نهاية معركة كوباني، سيستمر الصراع الأطول علي روج آفا. سنحتاج روج آفا، كنموذج ملهم للإعتماد عليه، وكحليف في تفكيك استعمار الطاقة الذي يبقينا جميعا ضعفاء. روج آفا تحتاجنا، ونحن نحتاج روج آفا.